recent
أخبار ساخنة

أمينة خيري تكتب: غزوة الفساتين

 

تقييم فساتين الجونة عمل شاق ورهيب. وقد خرج المصريون عن بكرة أبيهم يقيمون ويفندون ويحللون ويصولون ويجولون ويحرزون الأهداف ويحققون الإنجازات، بل ويجاهدون فى سبيل الله عبر فساتين الجونة. آه والله. حرب مستعرة دائرة رحاها دون هوادة، وغزوة هائجة تدق بعنف ودون فرصة لالتقاط الأنفاس للسؤال عن فيلم هنا أو ندوة هناك.

 

أدرينالين الفساتين فى أوجه والتقطيع بالسكاكين فى عزه. ولن أتعجب لو كانت لدينا وسيلة لقياس إنتاجية العامل المصرى لنجد أنها انخفضت من ساعة ونصف فى اليوم إلى ساعة إلا ربع مثلا بسبب التفرغ للفساتين والبحث عن أدلة الإدانة وإصدار أحكام البراءة على الفستان وصاحبته.

المسألة رهيبة. وهى رهيبة لا لأننا ندلو بدلونا فى الفساتين، ولكن لأننا ندلو بدلونا لا من منطلق فستان ترتديه ممثلة فى مهرجان سينمائى، ولكن من منطلقين لا ثانى لهما: منطلق شخصى بحت حيث ماما لا ترتدى هذه الملابس وطنط لا تجرؤ على ركوب المترو بهذه الفساتين ولا حتى البت شيماء المفعوصة لن يسمح لها بارتداء مثل هذا الفستان فى كتب كتاب أسماء.

والمنطلق الثانى هو أن «الثقافة» التى غزتنا عن بكرة أبينا فى نهاية سبعينيات القرن الماضى مطبقة على عقل وقلب ويد الكثيرات والكثيرين، بينما يدقون بكل إقدام على الـ«كى بورد» ليؤكدوا، مما لا يدع مجالا للشك، أن الفساتين وصاحباتها فى النار وبئس المصير، وكذلك الأزواج والعمال والموظفون والضالعون فى مثل هذا الفسق الذى يعادى الدين ويحارب المتدينين. بمباشرة شديدة ودون التفاف أو تذويق الكلام أدعى أن الغالبية المطلقة من غزوة الفساتين يتحكم فيها الذوق الشخصى والثقافة الدينية الواردة إلينا والتى اعتنقناها فى نهاية سبعينيات القرن الماضى، وبالمناسبة الأولى نتاج الثانية، وبالمناسبة أيضا جموع غفيرة من الصحفيات والصحفيين ضالعون فى الغزوة.

فجميعنا جزء لا يتجزأ من الوطن وآلمنا ما ألم به. وقبل سن السكاكين وتسليك الأسنان وارتفاع الأدرينالين لتوجيه اتهامات قوامها أن كل من لا يسب الفساتين ويلعن من يرتديها هو من الكفار وبئس المصير، أقول إن نقد الفساتين وتقييمها- بما فيها فساتين المحجبات- عمل فنى فى الأساس، وأن هناك فرقا كبيرا بين إصدار حكم على فستان البت نجلاء بأنه وحش وشبه قميص النوم، أو أنه عيب وفضيحة وربنا هيوديها النار، وبين أن يقيم شخص ما فستانا أو بدلة أو حذاء من منطلق الموديل ودى مناسبته لقوام من ترتديه والمناسبة واللون... إلخ.

بالطبع سيجد كثيرون مسألة الفصل بين الفستان وما نعيش فى كنفه من ثقافة «مستوردة» نبذها أهلها أخيرا مسألة صعبة، فقد تحولت الثقافة إلى عقيدة وتحول المستورد إلى مادة خام للتصنيع المحلى. ولو سألنا واحدا من «هبيدة» الفساتين عن أسماء الأفلام فى المهرجان لن يذكر اسما واحدا، بل الأرجح أنه سيخبرك أن الأفلام أصلًا حرام.

google-playkhamsatmostaqltradent